*محمد امين ابوجديري* يكتب عن *حرب النهر الثانية* :

*محمد امين ابوجديري* يكتب عن

*حرب النهر الثانية*

*تمهيد*:

قيام الحرب في المركز ( العاصمة
الخرطوم وبعض عواصم شمال السودان ) ، هو تطور نوعي في الازمة الوطنية السودانية . طوال العقود الماضية كانت الحرب في اطراف الدولة السودانية والتي لم تعش سلاما حقيقيا منذ استقلالها في ١٩٥٦م . كما يمكننا وصف تلكم الحرب بانها تلد اخرى وتجلى ذلك عندما سكتت المدافع بعد اتفاق سلام نيفاشا ٢٠٠٥م و الذي مهد الطريق لانفصال جنوب السودان بعد ان وصلت الامور الى عدم الاتفاق بين المؤتمر الوطني واجهة الاسلامويين والحركة الشعبية فكان لابد من تنفيذ بند الانفصال باحسان . لقد توقفت حرب استمرت عقودا من الزمان ولكن ولدت فورا حربا اخرى في دارفور مستمرة الى يومنا هذا …
هذا كتاب الحرب اما الشعب السوداني المغيب عمدا من قبل نظام المؤتمر الوطني الديكتاتوري كانت له الكلمة العليا حينما فرض قوته السلمية في الشوارع و اسقط نظام المؤتمر الوطني الحاكم جزئيا في ١١ابريل ٢٠١٩م . اعقب ذلك استمرار الاعتصام الشهير امام القيادة العامة للجيش بالخرطوم املا شعبيا في اكمال خطوات نقل السلطة الى حكومة تمثل ثورة ديسمبر بحق وحقيقة . لكن الخلل البائن في الحاضنة السياسية للثورة انذاك وهي تحالف الحرية والتغيير قد افشل اكمال الثورة ودخلنا في دوامة *خلافات الشركاء* *(الخطيئة الاولى)* داخل منظومة الحرية والتغيير مما مكن الفلول من تنظيم انفسهم وامتصاص صدمة السقوط وترتيب عملية مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في يونيو ٢٠١٩م ، عندها تماسك شعبنا العظيم من جديد ونزل الى الشوارع بكثافة وجسارة اوقفت الهجمة الارتدادية التي قام بها الفلول وعلى راسهم اللجنة الامنية للنظام الساقط في مسماها الجديد وهو المجلس العسكري . هذا الموقف المهيب لشعبنا دفع العالم لاحترام ثورتنا والوقوف معها و توالت الوفود في الحضور للبلاد للتوسط من اجل الوصول لحل سياسي يؤدي لاتفاق وطني و دستور انتقالي ديمقراطي به تتحقق اهداف ثورة ديسمبر المجيدة . وكان اتفاق اغسطس ٢٠١٩م السياسي و التوقيع على الوثيقة الدستورية الانتقالية ، والتي ادت الى تشكيل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين . الجدير بالذكر ان *خلافات الاحزاب*- ( *الخطيئة الثانية*) هي ما عطل قيام المجلس التشريعي الانتقالي .
لم تسر الامور على ما يرام لحكومة حمدوك الانتقالية حيث واجهتها العقبات و الخلافات و عانت من سؤ التصرف والقرارات الخاطئة . اقتصاديا تنكبت جادة الطريق ودخلت بالبلاد في روشتة صندوق النقد الدولي قبل ان تضمن استقرارها ودفع المواطن السوداني الثمن غاليا في انتظار الفرج المتوقع من الغرب المانح ، لكن قطع انقلاب اللجنة الامنية العسكرية في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م الطريق حيث اطاح بالحكومة الانتقالية الديمقراطية مما ادى الى قفل البلاد من جديد امام الاقتصاد الدولي بكل منافعه . وقبل ذلك موافقة الحكومة على اتفاق سلام جوبا المعيب والمخالف للوثيقة الدستورية والذي جاء باطراف لم يرف لها جفن وهي تضع يدها مع اللجنة الامنية للانقلاب في ٢٥اكتوبر٢٠٢١م . وهنا كان لتحالف الحرية والتغيير *الخطيئة الثالثة* بموافقتهم على ذلكم الاتفاق المعيب مشتركين مع حكومة السيد حمدوك .
ومنذ اليوم ٢٥ اكتوبر٢٠٢١م و الى اليوم نحن نعيش في كنف الانقلاب العسكري الذي رجع بنا القهقري لنتذكر تلكم تلكم المعارك التي انتظمت العاصمة الخرطوم ايام الدولة المهدية او ماعرف بمعركة كرري او حرب النهر الاولى والتي اتت بالاستعمار الثنائي البريطاني- المصري … والان الخرطوم تعيش رعب *حرب النهر الثانية* .

*مؤشر القوة الوطنية الشاملة*:

وصول الحرب الى مركز الدولة السودانية السياسي والاقتصادي مؤشر خطير و دلالة اخطر لبداية تصدع الدولة ..
لكي ندرس مدى قوة الدولة السودانية في مواجهة هذا التصدع ندلف مباشرة الى رصد العناصر التي تشكل *مؤشر القوة الوطنية الشاملة* وهي :
١- الموارد الاقتصادية
٢- الموارد الطبيعية
٣- موارد راس المال
٤- مصادر المعرفة و التكنولوجيا
٥- الموارد الحكومية
٦- الموارد العسكرية
٧- الموارد الدولية
٨- الموارد الثقافية
دراسة هذه الفئات و تحليلها علميا يفتح المجال نحو تحديد القوة الوطنية الشاملة للدولة ، و بالنظر الى
تعريف مؤشر القوة الوطنية الشاملة انه ( مجموع القوة الاقتصادية والعسكرية و السياسية لدولة ما في فترة معينة ، فهو يشير الى مستوى التنمية الشاملة للبلد و مكانتها في النظام الدولي ) .
في سياق تحليلنا لحالة الدولة السودانية نجد المفارقات التي تلازمنا منذ عقود من الزمان وتجلت ابان نظام المؤتمر الوطني الساقط ، حيث ان السودان من اغنى الدول اقتصاديا وبه مواردا طبيعية و موارد تشكل رؤوس اموال قادرة على تسيير الدولة بكل سهولة ويسر ولكن رغما عن ذلك نجد الواقع المعاكس ..؟!!
لماذا ؟ الملاحظ ان بند الصرف العسكري يستنزف اكثر من ٧٠% من ميزانية الدولة على حساب البنودؤ المهمة الاخرى التي تشكل رفاهية الانسان و نماه .
بجمع الامكانيات العسكرية في الدولة نجدها اكثر من الحوجة المطلوبة بشكل معقول للدفاع عن وحماية الدولة .. لكن الحقيقة المرة تكمن في ضعف محصلة الموارد العسكرية نسبة لتشتت الامكانيات مابين الجيش والدعم السريع و المليشيات والتسليح الاهلي .. وهي تشكل قوى متباينة فيما بينها . تضعف تماما محصلة القوة العسكرية وبل تذهب بها الى تحت الصفر باندلاع الحرب بين اكبر كتلتين عسكريتين في الدولة . ان اندلاع حرب المدن الان في السودان ينقل مؤشر قوة الدولة الوطنية الى ادنى مستوى له ، و واجبنا الوطني الان هو ايقاف الحرب وحل الاشكالية بالطرق السلمية ، من خلال الرجوع الى مسار الاتفاق الاطاري واكمال ورشة الاصلاح الامني والعسكري و اجازة الاتفاق السياسي النهائي و من ثم اجازة مسودة الدستور التي وضع نسختها الاولى اللجنة التسييرية لنقابة المحامين . اضف الى ذلك لابد من حشد الدعم من القوى الثورية الاخرى ومن اهمها لجان المقاومة و قوى التغيير الجذري .
اذن على *المدى القريب لابد من..*

— ايقاف الحرب و مواصلة الجهد للاتفاق على مبادئ و تفاصيل الاصلاح الامني والعسكري ويشمل ذلك حركات سلام جوبا .
— حشد الدعم الدولي للاتفاق السياسي النهائي والذي ينهي اولا حقبة الانقلاب العسكري وثانيا حرب الجيش و الدعم السريع .
— هذا الاتفاق التاريخي الذي يؤطر لمرحلة الجيش المهني الموحد و ينهي دورة الحركات والمليشيات المسلحة خارج منظومة الجيش الموحد .
— و تتكون معه حكومة مدنية ديمقراطية انتقالية برأسة رئيس وزراء يمثل راس السلطة التنفيذية الحاكمة في السودان . خلال مدة زمنية متفق عليها تجرى في نهايتها انتخابات حرة نزيهة . لذلك من الاهمية بمكان ان تتم عملية دمج قوات الدعم السريع خلال الفترة الانتقالية لانه من غير المنطقي اجراء انتخابات حرة نزيهة في وجود تشكيلات مسلحة خارج نطاق الجيش القومي .
على *صعيد قوى الثورة ( الحاضنة السياسية للحكم الانتقالي)* ، لابد من اجراء اصلاحات جوهرية داخل منظومة الحرية والتغيير تشمل الاتي :
— اشراك كل المكونات التنظيمية في عملية اصدار القرار السياسي للتحالف و ذلك بانهاء الوضع المعيب الموجود الان والذي حصر المسالة في يد مجموعة متنفذة محدودة تشمل من ثلاثة لاربعة تنظيمات داخل الحرية والتغيير .. وبحيث اصبح المجلس المركزي والمكتب التنفيذي مجرد متلقين للتقارير التي تجود هذه المجموعة المتنفذة حسب مصلحتها .
— انفتاح الحرية والتغيير لبقية قوى الثورة و القوى المجتمعية عن طريق اطلاق شراكة معها في تحمل الهم الوطني .
— التركيز على الوصول الى تركيبة حكم انتقالي تقوم حكومته على تشكيلة من الكفاءات الوطنية المستقلة وبالتالي الابتعاد عن صراع المحاصصات الحزبية وبما يشمل نسب اتفاق سلام جوبا . على ان يتم اشراك الاحزاب والحركات في المجالس التشريعية .
اما على مستوى *مستجدات الوضع الراهن….*
— فان بلادنا مقبلة على مرحلة مابعد انهاء الحرب والتي تستلزم تقوية التضامن الوطني الاجتماعي التي نعبر بها من الام الحرب ومأسيها وخسائرها الباهظة ، ولابد من التالف والتازر واشاعة ثقافة التكافل بين الجميع .
ان اجتماع خسائر الحرب المادية في بلد اصلا ذو اقتصاد منهك ومؤشر ضعيف لقوته الوطنية الشاملة يعد من اكبر المعوقات للحلول السياسية .
ونذكر دائما بالحملة الوطنية التي شعارها لا للحرب .
— يجب تطوير حملة لا للحرب الى ترند شعبي رافض للحرب ورفضا لاستخدام و تملك السلاح بالنسبة للمدنيين .
— واحدة من اهم الاشياء المنسية والتي اظهرتها حرب هذه الايام هي دور الشرطة المنوط به وبقية اجهزة وزارة الداخلية ..؟؟ اختفاء الشرطة المريب هذا يدفع بكم هائل من علامات الاستفهام ..؟؟؟ لابد من دراسة عميقة حول اصلاح جهاز الشرطة وبالذات دورها في حالات الحرب والكوارث الطبيعية .
— واخيرا وليس اخرا وضع المواطنين الانساني ، الذين وجدوا انفسهم بين مطرقة الحرب وسندان تجار وسماسرة الازمات معدومي الضمير الانساني . لابد من تفعيل انشطة البعد الانساني ودعمها بالمال من الخارج والداخل لان الانسان السوداني كريم عفيف قوى عند الشدائد .

*محمد امين ابوجديري*
الامين العام لتيار الوسط للتغيير
٢٧ ابريل ٢٠٢٣م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *