مع الشيوعي في كدباس….معاينة اولية..! عبدالله رزق ابوسيمازة

 

لا تنتج الشعارات التي تزدان بها فعاليات التنظيمات السياسية من فراغ،وانما تنبع من الواقع السياسي والاجتماعي الماثل وصراعاته،وتوازن القوى بين مكوناته المتصارعة. فانهاء الانقلاب،انقلاب 25 اكتوبر 2021،كشعار،والذي ظهر في اعقاب الانقلاب مباشرة،عبر عن منحى للتعامل مع الوضع الذي احدثه الانقلاب.والذي اعتبر خديجا،لم يكتمل بعد،بدلالة كلاسيكيات الانقلابات العسكرية،التي عرفها السودان،على الاقل.ووصف احيانا بالانقلاب الزاحف،كدلالة على كونه في حالة صيرورة وتخلق.وكانت عودة الدكتور عبدالله حمدوك ،الى موقعه كرئيس وزراء ،بعد ان اطاح به الانقلاب ووضعه رهن الاعتقال مع عدد من الوزراء والدستوريين،محاولة لانهاء الانقلاب،او عكسه باتجاه استعادة مسار الانتقال الديموقراطي بقيادة مدنية،كما كانت تلح الولايات المتحدة وشركاؤها الاوروبيون، لكنها فشلت بسبب تعنت المكون الانقلابي ونزوعه نحو القمع المفرط،كمؤشر لرغبته في التفرد بالسطةوالتشبث بها، هو ما افرز شعار اسقاط الانقلاب.وقد انفرد الحزب الشيوعي،قبل الانقلاب بطرح الشعار في مواجهة نظام الشراكة الثنائية برمته، بعد خروجه من تحالف قوي الحرية والتغيير.
في هذا الاطار ،يمكن النظر الى لقاء الحزب الشيوعي بشيخ كدباس والبيان المشترك ،الذي صدر عن اللقاء،كاستجابة للمتغيرات في الوضع السياسي. ففي توجه الشيوعي لشيخ كدباس،ليس ثمة ما يستوجب السخرية،بقدر ما يستدعي التامل والتفكير. لا يتعلق الامر بالمفاجأة الكامنة في صدورالمبادرة من تنظيم سياسي،ظلت تلاحقه تهمة العداء للاديان،او بموقف المؤتمر الرابع للحزب من الدين والسياسة،فالماركسية “ليست عقيدة جامدة”،كما يحتج معتنقوها،ولا تقرير المؤتمر الرابع. وانما هي،حسب التعريف اللينيني، “التحليل الملموس للواقع الملموس”.
ففي ظني، ان الحزب الشيوعي السوداني،الذي لم يخلع معطف الماركسية اللينينية ،كما فعلت كثير من “الاحزاب الشقيقة”،عشية انهيار الكتلة السوفياتية،ظل يتطور،ويطور تكتيكاته،بثبات لكن ببطء،وعلى نحو تجريبي،بعيدا عن هدى النظرية الماركسية-اللينينية.
فزيارة كدباس يمكن النظر اليها ،من جهة،كانعطافة في مسار الحزب السياسي، بضوء مواقفه السابقة،من التسوية الجارية،ومن مبادرة كدباس لتوحيد قوى الثورة،نفسها، ومن القوى التقليدية عامة،بما فيها الطرق الصوفية. ومن الجهة الاخرى،كتوجه للتكيف مع تطورات الوضع ومقتضياته. فالمشروعات السياسية،من قبيل الجبهة العريضة، والتحالف الجذري،وتوحيد لجان المقاومة بتوحيد المواثيق، والمرتبطة بخيار الاسقاط قد بلغت مداها النهائي ،بحساب التعبئة والكسب والاستقطاب، واصبح تقدمها مرتهنا بقوة زخم جديدة، وهو ماعبرت عنه مبادرة تنسيقية الخرطوم وسط، وانبثاق مبادرة آلية وحدة قوى الثورة. وفي الوقت ذاته تتقدم عملية التسوية بخطى حثيثة،وهي تتوسل بالاستجابة لمطالب وبرنامج الانتقال،بما في ذلك بعض ماتضمنه بيان كدباس المشترك. وهو امر يحتم على الشيوعي اعادة النظر في تكتيكاته وفي شعاراته،وعما اذا كان سيعتمد التغيير الجذري الممرحل بانتقال ديموقراطي،وفق مانسب لعضو وفد الحزب الى كدباس،علي الكنين،ام سيتمسك بالتغيير الجذري واسقاط الانقلاب،وفق مانسب للمهندس صديق يوسف عضو اللجنة المركزية.فمشروع التسوية قد ينطوي على تغيير كبير في نظام الحكم وتوجهاته،قد لايكون الاسقاط الكلي هو الشعار المناسب في مواجهته، ما يستدعي تصميم بدائل ملائمة،تعبر تعبيرا دقيقا عن المطلوبات،مما يمكن ان تكون قد تجاوزته التسوية، ومن ذلك احالة البرهان وزملائه للتقاعد وعدم توليهم اي مسؤوليات رسمية. والتاكيد على مبدا عدم الافلات من العقاب.
فقد يتعين عليه،بعيدا عن الطفولة اليسارية ،التي اسلمته للعزلة ،ان يكون اكثر مرونة، في التعاطي مع التسوية الجارية،والعمل في اطرها من اجل التغيير المنشود،ان لم يتسن ايقافها.
ان توجه الحزب الشيوعي والاحزاب اليسارية الاخرى،وانفتاحها على القوى التقليدية،القبلية والطائفية،امر لا مهرب منه،بعد ان اصبحت قوة سياسية لايمكن تجاوزها. وذلك من اجل تحييدها،ان لم يتيسر كسبها لصالح نهج الثورة.بدلا من تركها رصيدا لقوى الردة. لقد اصبح لهذه القوى،بعد طول استنفار ،حضور ملموس في الساحة السياسية. وفي مناطق الازمات ،حيث ينتظر من هذه القوى لعب دور في فض النزاعات الدامية حول ملكية الارض والانتفاع بها،وحماية تماسك النسيج الاجتماعي في مناطقها.كل ذلك يؤهلها لان يكون لها تاثير مواز في الانتخابات المقبلة. يتعزز ذلك بالتطور الملموس في بنية وتكوين قيادات تلك الكيانات التقليدية والتي اصبحت تضم خريجي جامعات وحاملي شهادات فوق الجامعية.في وقت سابق لاحظ تيم نبلوك في كتابه”صراع السلطة والثروة في السودان”، الحضور البارز لقيادات القبائل والطرق الصوفية في كل المؤسسات التمثيلية،بدء من المجلس الاستشاري والجمعية التشريعية،في عهد الاستعمار الانجليزي،مرورا بالجمعيات التاسيسية،بعد الاستقلال، وانتهاء بمجالس الشعب الخمسة،في عهد جعفر نميري.
عبدالله رزق ابوسيمازة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *